تطوق نفسي إلى
الغريب الذي لا يأتي , فهي تعشق الغرباء , ولها من معرفتهم مقاصد أخرى , تهتف
النفس قائلة أين ذاك الغريب , مللت من السير في الطرقات وعلى الشواطيء في ليالي
الصيف الدافئة وليالي الشتاء المبللة بدموع السماء , مللت من ترددي على المقاهي
الخاوية والمطاعم المهجورة , بحثا عن الغريب الذي لا يأتي , مللت بعدد فناجين القهوة
التي احتسيتها وحيدة بانتظاره , مللت أكثر من عقارب ساعتي الباحثة عنه , ومللت بعدد معاطفي التي أرتديتها في انتظاره ,
وألواني التي انتقيتها للقاءه , وأقلامي التي أشتريتها لكلماته. مللت بعدد مرات
جلوسي مع غرباءٍ غرباء أتسلل في أرواحهم باحثة عن ذاك الغريب , فتتعلق نفسي أكثر
بلقاء الغريب الذي لا يأتي , ذاك الغريب الذي يبادلني أحاديث ليست عنه وليست مني ,
ذاك الغريب الذي يروي ظمأ كلماتي بقصة ذاك الغريب , لا أعلم مدى طمع كلماتي ولكنها
تزيد في طمعها كلما التقت شخص غريب ولكنها لا تكتفي وتطالب بذاك الغريب الذي أتقاسم معه قهوة الغرباء , لذة اللقاء
الأول ,انصات الكلمة الأولى , خبرة حكايا الغرباء , متعه ابتسامتهم الصافية , صدق دمعتهم
الحزينة, لمسة أحاسيسهم الراقية, ابتسامة
اللقاء الأخير . ذاك الغريب الذي يطلعني
على أسرار الشعر فأبهره بكنوز الأدب , يطلعني عن مكابد الدنيا فأطلعه على فضائل النفس , ذاك الغريب الذي يرمي بسره في
جعبتي , يرمي حكاياه الموجعة في قلبي, يجلدني على الصبر بدعوة , يسقيني من مناهل الكتب , يهديني خبراته
الثمينة , فيأخذنا الوقت وتمر الساعات ,وتحين لحظة الوداع فيرحل , وأبقى أنا لأعقد
كلماتي من درر ذاك الغريب , وأتنفس بعمق فأحيا حياة أخرى , من إلهام ذاك الغريب .
0 التعليقات:
إرسال تعليق